Request a Demo
Request a Demo
Press Releases

الغد - في الأمس غوغلتك

ضحى عبدالخالق

الغد - قام السيد "براد" من مدينة ديربيشاير البريطانيّة برفع دعوى، في سابقة قضائيّة هي الأولى من نوعها لدى المحكمة الأوروبيّة، ضد محرك البحث الأشهر "غوغل"، يطالب فيها بإزالة نشر لحكم قضائي يتعلّق بقيادته المتهوّره تحت تأثير الكحول (ذات يوم). وفي قضية أخرى، دفع مواطن إسباني بأنّ نشر معلومات تفصيليّة عن بيع منزله بالمزاد العلني، هو إجراء غير ضروري وتغوّل على خصوصيّته، وبالذات عقب تحسّن أوضاعه التجاريّة ونجاحه في العمل. وأضاف أنّ تداول إشهار إفلاسه بالتفصيل (ذات يوم) ونشر ذلك، أصبح باختصار من قبيل الفعل الضار، لأنّه اليوم ينهض بأعماله وبأسرته، وما سيحدث في الواقع هو أن تاجرا آخر، وعلى محرك بحث آخر في مكان آخر في العالم، سيقرأ حادثة إفلاس قديمة، مع أنه اليوم قادر على التجارة وعلى السداد في بلاده. وأضاف: "على غوغل أن تعطيني الفرصة لكي أنسى؛ على غوغل أن تنسى، وعلى غوغل أن تنساني". وبهذا يكون قد دفع لأوّل مرة في تاريخ البشريّة والفلسفة والقانون بحقّ جديد، اسمه حقّ النسيان؛ أي حقّ المرء في أن يُنسى وفي أنّ ينسى ما يريد أن ينساه هو طوعا!

بعدها، توالت الطلبات على المحكمة الأوروبيّة العليا لمسح المعلومات والصور والتصريحات و"الكليبات" وغيرها من الحوادث عن مُحرّك "غوغل" وروابطه من قبل أوصياء أو من آباء وأمّهات لصبايا وشباب بعمر الورد، أو من مشاهير وسياسيين نُشرت صور لهم (من قبل "باباراتزي") وبأوضاع بهيجة لتتداولها مُحرّكات البحث ذات يوم لم ينته!

المهم أنّ المحكمة قضت بأنه يمكن مسح الإشارات غير الضروريّة أو المعلومات القديمة، من محرك البحث، بتعبئة الطلب الذي يُقدّمه المُشتكي (إلكترونيا) على الرابط التالي: (http://goo.gl/dbmSDY)، عند توافر شرط المصلحة والفعل الضار؛ أي إنّ على المرء أن يُمثّل نفسه أو من عليه وصاية قانونية، مع ضرورة إثبات عنصر الضرر. وفي الولايات المتحدة، يستند المواطنون الى التعديل الأوّل من الدستور، الذي يضمن حريّة التعبير، لطلب مسح بياناتهم من المواقع الإلكترونية.
 
لكن مدير "غوغل"، لاري أليسون، صرّح أنه يخشى على عنصر "الإبداع" من هذا الحكم. إلا أن هذه وجهة نظر تقابلها حقيقة أساسيّة موازية، وهي أنّ حريّة الإنسان الشخصيّة مصونة في الدستور؛ فماذا يهمّ العالم (حقا) في رؤية صورة قديمة لأنجلينا جولي على سبيل المثال، لأنّها صورة بشعة من دون مكياج، ثمّ إقحام ذات الصورة في جهودها الجديّة الحاليّة، أو في قضيّة أخرى رصينة مثل إغاثة اللاجئين؟ ففي هذه الصوره مثلا، يغيب الإبداع، فقط كي يتندّر العالم ويتآمر ويتسلّى.

ومن وجهة نظر محليّة، فإنّ هذا الحكم لا يشمل للآن مُحرّكات البحث العربية، أو مواطنين من غير الدول الأوروبيّة. وعليه، يُمكن لدولة عربيّة مثل الأردن الحصول على نسخة شبيهة، والدفع بها لدى القضاء القطعي، ثمّ تعميم ذلك على محرّكات البحث بالاستناد إلى مبدئي الفعل الضار الواقع على الأشخاص، والوصاية على القاصر. ولو اعتبر شرط "المواطنة" هو شرط المصلحة في القانون، لقمتُ طوعا بتعبئة طلب بالنيابة عن الأردن لحذف كل ما يُسيء للأردنيين، ولصورتهم وأعمالهم وأعراضهم وسمعتهم، ولكن هذا اختصاص المؤسسات العدليّة.

الحقُ في النسيان من حقوق الإنسان الطبيعيّة، لا بل هكذا تشكّل الدماغ. ولو تذكّرنا كل ما حصل، وبكل التفاصيل، لأصاب الإنسان الجنون، ولأدمن العالم المخدّرات فقط لينسى! فالله غفور رحيم، والحياة إيجاب وقبول، ويقرر ذلك أصحاب العلاقة؛ إلا الأوطان، فتلك لا تُنسى. فبالإمس أيها الوطن الجميل "غوغلتك" على كل مُحرّكات البحث، ولن ننسى.

*خبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات